الـ في اس بي: وريثة الكي جي بي التي تستعيد قدراتها
________________________________________
ألقت قضية الكسندر ليتفينينكو في لندن بالظلال من جديد على سمعة اجهزة الاستخبارات الروسية. وتجاهلت بريطانيا نفي روسيا الشديد وقوفها وراء اغتيال ضابط الاستخبارات الروسية سابقا ليتفينينكو مسموما بمادة البولونيوم القاتلة. وقالت لندن ان لديها معطيات لاتدحض بتورط رجل الاعمال اندريه لوغوفوي في العملية. وترى موسكو وجود دوائر في الغرب تعمل على تأجيج الميول المعادية لروسيا، بسبب استعادتها قدراتها وسعيها لاستعادة مواقعها في الساحة الدولية. ويتهم الغرب روسيا بتكثيف نشاطها التجسسي في العواصم الاوروبية وفي اميركا ويذهبون الى ان ذلك النشاط زاد عن المستوى الذي كان عليه في زمن الحرب الباردة. ومن الصعوبة التحقق من صحة تلك المعطيات، فانها قد تُسرب عمدا لتحقيق مختلف الغايات.
ولكن هناك حقيقة لايمكن دحضها بان الاستخبارات الروسية بدأت تنعش ادوارها ونشاطها وان الدولة باتت تهتم بالجهاز الذي هو وريث الكي جي بي الذي كان مجرد ذكره يثير فرائص الخصـم وظلت تدور حوله الكثير من الروايات التي تفوق احيانا حد الخيال وتشبه الاساطير.البعض يعزو ذلك الى ان تقدير الرئيس بوتين دور الجهاز الذي جاء منه ومدى خدمته للدولة، والاخر بان مؤسسات القوة في الدولة الروسية بدأت تستفيق.
ولم تكن عملية احياء اجهزة الاستخبارات الروسية سهلة، بعد الضربة القاصمة التي وجهت لجهاز الكي جي بي وتشتت كادره، بعد ان كان درع الدولة السوفياتية الغاربة. لقد كان الكي جي بي الى جانب الاسلحة النووية وسيلة الردع والاحتواء الداخلي والخارجي للدولة السوفياتية.
وخلفته في روسيا الجديدة مؤسسات هزيلة، ترأسها رجال ضعفاء افتقدوا روح المسؤولية حتى ان احدهم سلم بطواعية خارطة اجهزة التنصت السرية التي زرعها الكي جي بي، في مبنى السفارة الاميركية في موسكو للجانب الاميركي دون مقابل للدولة. وتمخضت العملية الطويلة عن تأسيس دائرة الامن الفيدرالي وادارة التجسس الخارجي. ومنذ ترؤس الرئيس فلاديمير بوتين المؤسسة وصعوده للسلطة بدأ الجهاز باسترداد عافيته.
فكانت له ادوار في ترسيخ المركز لاقدامه بعموم روسيا.ووفقا لمعطيات "مركز موسكو لدراسات النخب" فان 78% من الساسة النافذين في روسيا من رؤساء اقسام ادارة الرئيس واعضاء الحكومة ونواب البرلمان ورؤساء الهيئات الفيدرالية ومدراء الاجهزة التشريعية والتنفيذية في المناطق كانوا بهذا الشكل او ذاك مرتبطين بجهاز الكي جي بي.
وبخلاف ما كان عليه الوضع في الاتحاد السوفياتي السابق، حينما كرس الكي جي بي نشاطه في المجال الامني، فان الغالبية العظمى من منتسبي هذه المؤسسة سابقا، باتوا يمارسون البزنس وينشطون في الاحزاب ويحكمون الاقاليم ولهم ادوار حتى في المجالات الثقافية.
وانتقلت لجهاز الاستخبارات الروسية مهام مكافحة الارهاب والتجسس ومكافحة التجسس والجرائم الاقتصادية، والتجسس الالكتروني والرقابة على الحياة الاجتماعية.وهناك من يعتقد ان الاستخبارات شجعت على سن القوانين التي عززت الرقابة على القطاع الخاص ومنع الاجانب من تمويل الانشطة السياسية، من اجل الحيلولة دون زعزعة الاستقرار في البلد.وشددت الرقابة على الواقع الاستراتيجي.
وعلى حد رأي اندريه سولاداتوف مدير موقع اجينتورا ـ رو على الانترنت الذي يراقب انشطة اجهزة الاستخبارات فان دائرة الاستخبارات الروسية " في اس بي" اكثر قوة من جهاز الكي جي بي. وعلى حد تقديره " فان بمقدور ال في اس بي اتخاذ اجراءات ضد كافة اشكال الاخطار التي يرصدها، وليس ضد الارهاب وانما ضد الاخطار السياسية والاقتصادية".
ومع كل ذلك فان الغموض مازال يلف موت ليتفينينكو، وتحوم الشكوك حول طائفة واسعة من الاطراف من بينها الاستخبارات الروسية او مجموعة من منتسبيها السابقين، نظرا للادوار المتشعبة التي قام بها الراحل، وسعة علاقاته بما في ذلك مع اجهزة استخبارات اجنبية وشخصيات مشكوك بها ولهفته للحصول على الشهرة والمال والانتقام من الخصوم.ويبدو ان هناك من يسعى لاستخدامه كورقة لتحقيق اغراض بما في ذلك سياسية.