جواسيس غيروا مجرى التاريخ
تظل الجاسوسية ثاني أقدم مهنة في التاريخ وأكثر المهن تشويقا وغموضا، والواقع أن قواعد لعبة التجسس لم تتغير عبر العصور، لكن ربما منحها بعض الجواسيس خصوصية معينة وبعض التفاصيل المميزة مما أضفى على عالم الجاسوسية طبيعة غريبة ومثيرة وشديدة الغموض. وتمكن عدد من الجواسيس من إعادة صياغة التاريخ فقلبوا موازينه وأحرزوا، بدهائهم وحيلهم، النصر لبلادهم بعضهم حموا عروش ملوكهم مثل سير فرانسيس
والسينجهام الذي حارب بضراوة من أجل تأمين عرش الملكة إليزابيث الأولى، وآخرون جلبوا النصر لقوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية مثل ريتشارد سورج، هناك من تسبب في نكسة مثل جاسوس الموساد الأبرز ولفجانج لوتز الذي عمل في القاهرة كضابط ألماني سابق، قال البعض بفخر إن الحروب لا يمكن أن تحسم بالأساليب المحترمة، إنهم الجواسيس الأبرز في تاريخ الجاسوسية الذين أعادوا كتابة التاريخ.
ولفجانج لوتز
ولد في ألمانيا عام 1921 لأسرة يهودية، والده مخرج مسرحي ووالدته ممثلة وكل منهما لم يشعر بأية ارتباطات دينية ولهذا فإن والدته لم تقم حتى بختانه واتضح فيما بعد أن هذا الأمر سيلعب دوراً بارزاً في تغطية عمله كجاسوس لصالح “إسرائيل”.
انفصل والداه عام 1931 وفي عام 1933 عشية صعود هتلر إلى السلطة في ألمانيا هاجرت والدته إلى فلسطين وأخذت معها ابنها وعملت هناك في مسرح بتل أبيب في حين التحق ولفجانج بمدرسة بين شمين الاستيطانية وغير اسمه إلى زائيف جور اريح حيث كان زائيف هو الاسم العبري لاسم ولف أي الذئب ومع مرور الوقت أصبح خبيراً في ركوب الخيل وبعد عدة سنوات قبل أن يتم عامه الخامس عشر انضم إلى منظمة الهجانا الأمنية الاستخبارية. وكانت من بين مهامه حراسة الحافلات المدرعة التي تحمل ما تحتاجه مدرسة بين شمين التي كان يحيط بها العديد من القرى والمدن الفلسطينية الرافضة للوجود الصهيوني في أرض فلسطين.
في عام 1939 اندلعت الحرب العالمية الثانية وبما أن لوتز كان يتحدث الألمانية والإنجليزية ببراعة إضافة إلى العبرية والعربية رأت القوات الانجليزية أنه سيكون عوناً كبيراً لها وتم تجنيده وأرسل إلى مصر وظل هناك طيلة فترة الحرب وكانت مهامه الأساسية تتضمن التحقيق مع أسرى الحرب الألمان هناك حيث كانت مهارته في استخدام اللغة الألمانية عوناً كبيراً له.
عقب الحرب عاد إلى فلسطين وشارك في عمليات تهريب الأسلحة لمنظمة الهجانا وعندما أعلنت دولة “إسرائيل” في مايو/أيار 1948 خدم لوتز كملازم أول في قوات الدفاع “الإسرائيلية” ولعب ادواراً مختلفة في تنفيذ أكثر العمليات وحشية في الأراضي الفلسطينية، وبقي في الجيش بعد الحرب وفي عام 1956 رقي إلى رتبة لواء وقاد عملية “إسرائيلية” ضد القوات المصرية في سيناء في عملية أطلق عليها في “إسرائيل” اسم حملة السويس.
ومع بداية عام 1957 اتخذ القرار بإرساله إلى مصر حتى يمكنه جمع معلومات استخبارية عن المساعدات السوفييتية هناك التي تقدم للحكومة المصرية وللزعيم جمال عبد الناصر.
في نوفمبر 1959 أرسل إلى ألمانيا بعد عام من تنقله من مكان إلى مكان حتى يصعب اقتفاء خطواته ثم أرسل مرة أخرى إلى مصر ووصل هناك في ديسمبر/كانون الاول ،1960 وسرعان ما تمكن من إقامة العديد من الاتصالات المهمة حيث ذهب إلى نوادي الفروسية التي كانت مكان تجمع أهم القيادات العسكرية المصرية وترددت الأخبار عن الثري الألماني الذي تغلغل بين أبناء الطبقة الأرستقراطية المصرية وخلال أيام كان لوتز يتلقى الكثير من الدعوات لحفلات عشاء في أهم البيوت المصرية وكان الأثرياء الذين يستثمرون أموالهم في تربية الجياد يطلبون منه المشورة وسرعان ما قرر لوتز أن يظهر سخاءه حيث اشترى الجياد ووضعها في ناد للفروسية.
واستأجر فيلا في منطقة مصر الجديدة وتظاهر بأنه من هواة تربية الخيول العربية وبهذا تمكن من الانضمام لعضوية نادي الفروسية في الجزيرة ومن خلال النادي تمكن من عقد المزيد من الصداقات مع هواة تربية الخيول من المصريين والأجانب.
وبعد ستة أشهر عاد إلى أوروبا وقدم تقاريره إلى قيادات الموساد الذين أعلنوا رضاءهم التام عن سير عمله حيث أطلق على أيلي كوهين اسم رجل الموساد في دمشق أطلقت الوكالة “الإسرائيلية” على لوتز اسم عين تل أبيب في القاهرة.
وفي صيف عام 1962 عاد لوتز وزوجته إلى مصر وخلال الفترة التي قضاها مع زوجته في القاهرة تمكن من إقامة العديد من الحفلات والعلاقات البارزة دخل المجتمع المصري حيث أقام علاقات صداقة مع شخصيات بارزة في الاستخبارات العسكرية المصرية كما تمكن لوتز من إقامة العديد من الصداقات مع الخبراء الألمان الذين كانوا يعيشون في القاهرة وأصبح صديقاً شخصياً للعديد منهم مثل جرهارد بوش الذي يعتقد أنه كان يتجسس على الحكومة المصرية لصالح عاصمة ألمانيا الغربية بون إضافة إلى أنه تلقى قائمة بأسماء جميع العلماء الألمان في القاهرة وعناوينهم وتمكن من الحصول على تفاصيل دقيقة عن دور كل منهم في مصانع الإنتاج الحربي المصرية.
وفي تلك الفترة نجحت مهمته في معرفة كل ما يمكن معرفته عن الصواريخ الروسية سام وموقع بنائها بالقرب من قناة السويس في مدينة الإسماعيلية، وكان قد استخدم جهاز إرسال لاسلكي صغير أخفاه في حمامه الشخصي ومن خلاله أرسل رسائل سرية إلى الموساد طيلة خمس سنوات عن المعلومات السرية العسكرية المصرية وبرنامج الصواريخ المصرية.
في بداية الستينات كان رئيس الموساد وقتها إيسير هاريل شديد القلق من خطر العلماء الألمان الذين يعملون مع نظرائهم المصريين لتطوير برنامج الصواريخ حيث كان هناك خوف كبير من قدرة تلك الصواريخ على الوصول إلى المدن “الإسرائيلية” حيث أدركت الموساد من تجربة إطلاق مصرية أنها ناجحة وتشكل تهديداً حقيقياً على أمن “إسرائيل”.
ظل لوتز يعمل بشكل جيد في القاهرة لعدد من السنوات إلى أن حدثت تغيرات في السياسة الخارجية المصرية في خريف عام ،1964 حيث كانت مصر تعتمد على المساعدات العسكرية السوفييتية منذ منتصف الخمسينات واستخدم الروس المساعدات في الضغط على عبد الناصر لدعوة رئيس ألمانيا الشرقية والتر البريتش لزيارة القاهرة واعترضت حكومة ألمانيا الغربية ولكن عبد الناصر شعر أن عليه عدم إلغاء الزيارة في الوقت الذي كان فيه السوفييت يشتكون أيضا من العمليات الاستخبارية التي تقوم بها ألمانيا الغربية بالتعاون مع وكالة الاستخبارات الأمريكية ضدهم، وفي شتاء عام 1965 قبيل زيارة رئيس ألمانيا الشرقية أمر عبد الناصر باعتقال نحو ثلاثين عالماً من ألمانيا الغربية كانوا يعيشون في القاهرة وكان من بين الذين أمر باعتقالهم ولفجانج لوتز إضافة إلى زوجته ووالديها اللذين كانا في زيارة لمصر وقتها.
وعندها توقع لوتز أن الحكومة المصرية علمت بدوره في التجسس لصالح الموساد وخلال استجوابه اعترف بكل شيء فيما عدا كونه يهودياً و”إسرائيليا” حيث أصر على أنه ضابط ألماني سابق ضغطت عليه الموساد للتجسس لصالحها، وكانت الموساد تمكنت من تعيين محام ألماني للدفاع عنه أكد وقتها ما كان خافيا على الحكومة المصرية وحيث قال إنه بالفعل مواطن “إسرائيلي” خدم في الجيش “الإسرائيلي” وشارك في أكثر العمليات العسكرية والوحشية ضد الفلسطينيين.
وفي عام 1964 ظهر لوتز على شاشات التلفزيون المصري وهو يقدم اعترافه بأنه ألماني عمل في شبكة تجسس “إسرائيلية” في مصر منذ عام ،1961 وأنه نادم على ما فعل ويحمل للمصريين الاحترام والتقدير ويعترف بأنهم عاملوه معاملة حسنة في السجن والواقع أن السلطات المصرية حتى ذلك الوقت لم تعرف خلفية لوتز الحقيقية، واعتقدوا أنه ألماني مخادع يعمل لحساب “إسرائيل” وبدلاً من إعدامه أرسل إلى السجن مدى الحياة عام ،1965 وغرامة قدرها 20 ألف دولار أمريكي، وحكم أيضاً على زوجته بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وتم إطلاق سراحه بعد ثلاث سنوات مقابل 500 ضابط مصري كانوا قد أسروا في حرب 1967وكانت المرة الأولى التي تعترف فيها “إسرائيل” بأن لوتز جاسوسها، وعند إطلاق سراحه ذهب إلى تل أبيب مع زوجته الألمانية اليهودية حيث وضع كتاب بعنوان “جاسوس الشمبانيا” ونال الكتاب نجاحاً كبيرا ولكن ثروة الجاسوس تضاءلت بشكل كبير عقب وفاة زوجته، وفي مقابلة أجريت معه عندما كان في رحلة في ميونخ عام 1978 شكا من أنه يعيش على حافة الفقر وأنه لا يتلقى سوى معاش لا يتعدى 200 دولار سنوياً يدفع له من قبل الموساد.
كيم فيلبي
يعد في سجلات تاريخ الجاسوسية زعيم حلقة عملاء كامبردج الشهيرة والأسطورية وأحد أهم جواسيس القرن العشرين، انضم إلى خدمة الاستخبارات السرية عام 1940 وترقى في منصبه حتى وصل إلى موقع رئاسة إدارة مكافحة التجسس السوفييتي وضابط الارتباط ما بين الاستخبارات البريطانية ال MI6 ونظيرتها الأمريكية الCIA وأيضا الFBI وهو من قام بتسريب جميع أسرار عمليات الحلفاء وقدمها إلى الروس وقام بالعمليات السرية من أجل إزاحة الستار الحديدي في السنوات الأولى للحرب الباردة كان عبثياً ومتعجرفاً وتهكمياً ومليئاً بالثقة بالنفس وكان جاسوساً بارعاً تمكن بكل ذكاء من التفوق على وكالات التجسس البريطانية التي عمل معها، وكان مخلصا للماركسية حيث فضل النظام السوفييتي بكل مساوئه عن النظم الغربية الديمقراطية وضحى في سبيل الماركسية بكل شيء بما في ذلك جنسيته وسمعته.
ولد في الهند البريطانية لأسرة تنتمي للطبقة العليا حيث كان والده ضابطاً مدنياً ذا رتبة عالية، وعقب تخرجه في إحدى مدارس الأرستقراطيين عام 1928 التحق بجامعة كامبردج وتخرج فيها عام ،1933 وكانت أول بناء في عمله كجاسوس سوفييتي مزدوج.
وعند تخرجه عمل فليبي في الصحافة وبحث عن وظيفة في صحف سياسية معتدلة وأخفى معتقداته الشيوعية وعندما اندلعت الحرب الإسبانية حصل فيلبي على عمل كمراسل لصحيفة لندن وهي وكالة صحافة صغيرة لتغطية الحرب، ولكنه في الواقع كان قد أرسل إلى أسبانيا من قبل السوفييت للتجسس على الثوار ضد الجمهوريين.
عاد إلى إنجلترا واندلعت الحرب العالمية الثانية ولكنه أرسل إلى فرنسا وفي هذا الوقت أصبح مراسلاً حربياً متمرساً وأظهر احتراماً للقائد الأعلى البريطاني ومن خلاله تمكن من الاطلاع على الأسرار العسكرية الأكثر أهمية والتي كان يرسلها إلى موسكو.
وعندما سقطت فرنسا عاد إلى إنجلترا مرة أخرى وعلى الرغم من عضويته في البعثة الأنجلو- ألمانية إلا إنه قرر الانضمام إلى خدمة الاستخبارات البريطانية السرية وتمكن ببراعة لا توصف من الانضمام إلى الاستخبارات السرية، وفي صيف عام 1940 كانت المرة الأولى التي أقام فيها اتصالاً بالخدمة السرية البريطانية.
وترقى في منصبه حتى وصل إلى منصب رئيس إدارة مكافحة التجسس السوفييتي وضابط الارتباط ما بين الاستخبارات البريطانية ال MI6 ونظيرتها الأمريكية ال CIA وأيضاً الFBI والذي قام بخيانة جميع أسرار عمليات الحلفاء وقدمها إلى الروس وقام بالعمليات السرية من اجل إزاحة الستار الحديدي في السنوات الأولى للحرب الباردة. في عام 1967 كتب من موسكو مذكراته في كتابه الشهير الذي ما زال حتى اليوم يطبع الآلاف من النسخ “حربي الصامتة” وهو الكتاب الذي أذهل العالم وفيه كشف عن تفاصيل عمله كجاسوس مزدوج لصالح الKGB للمرة الأولى واعتبره العالم أحد اكثر الجواسيس نجاحا في العالم وكان أيضاً كاتباً متميزاً قدم (قصة أيقونة) عن سنوات الحرب الباردة وأحدث ما يعد ثورة في عالم كتب الجاسوسية. الكتاب أعيد طبعه مرات ومرات بعد نحو 12 عاماً من صدوره للمرة الأولى وفيه يقدم فيلبي تفاصيل عمليات التجسس التي قام بها لصالح الاتحاد السوفييتي وكيف تمكن من النجاح في الهرب إلى موسكو عام 1963 والتي عاش بها حتى مماته عام ،1988 ويشرح لماذا ظل مخلصاً للشيوعية حتى بعد أن اكتشف جرائم ستالين؟
ويكتب في مذكراته: “في صيف عام 1940 كانت المرة الأولى التي أقيم فيها اتصال بالخدمة السرية البريطانية ولكن الأمر كان قضية مثيرة بالنسبة لي لعدة سنوات في ألمانيا النازية وفيما بعد في أسبانيا حيث خدمت كمراسل لصحيفة التايمز مع قوات الجنرال فرانكو “وفي جزء آخر يكتب: “قررت أن أترك التايمز قبل أن تتركني هي إن فكرة أن أظل أكتب ممجداً عظمة القوات البريطانية وروعة أخلاقيات جنودها للأبد كانت فكرة ترعبني”.
عند نهاية الحرب فإن إنجلترا وإلى حد كبير الولايات المتحدة أصبحتا أقل ثقة في حليفهما السوفييتي وأدركا أن جوزيف ستالين لديه خطط ما بعد الحرب تتضمن الاستيلاء والسيطرة على دول وسط أوروبا أثناء تحررها من الألمان، وأراد تشرشل أن تتم مراقبة السوفييت عن قرب ومن جانبه كما يذكر فيلبي اقترح أن يتم إنشاء مكتب مقاومة للشيوعية داخل الاستخبارات البريطانية في حين أدرك المشرف عليه أن فيلبي كان على صلة بضباط سوفييت ذوي رتب عليا في إنجلترا ودول أخرى وبهذا تمت الموافقة على خطة فيلبي التي أبهجت المشرف عليه السوفييتي اناتولي ليبيديف الذي استبدل ببوريس كورتوف مدير الاستخبارات المسؤول عن عمليات فيلبي لصالح الKGB والذي كان لفترة طويلة قد أشرف على عمليات فيلبي.
في 23 يناير 1963 ترك فيلبي أسرته وهرب إلى الاتحاد السوفييتي في حين انتظرته زوجته في حفل عشاء وسار عبر مرفأ في ميناء بيروت ومن هناك استقل سفينة إلى الميناء الروسي أوديسا وعاش فيلبي لعدة شهور في مدينة على نهر الفولجا على بعد آلاف الأميال من موسكو وعندما وصل موسكو كان بورجيس قد توفي إثر أزمة قلبية في سن 52 عاما وكانت وفاته بسبب الإفراط في الشراب.
جورج باهر خائن بريطاني
ولد جورج باهر في 11 نوفمبر 1922 وكان جاسوسا بريطانيا سابقا كان في الواقع جاسوساً مزدوجاً عمل أيضاً لصالح الاتحاد السوفييتي.
ولد في مدينة روتردام حيث كانت والدته هولندية ووالده مصرياً يهودياً نال الجنسية البريطانية وحمل اسم جورج باهر لواحد من أكثر الأسر اليهودية بروزا في أمستردام. وكان والده قد توفي وهو في الرابعة عشرة من عمره وأرسل إلى مدرسة بريطانية في القاهرة حيث كانت تلك هي أمنية والده ووصيته، وبينما كان هناك مع أقاربه أمضى معظم وقته مع عمه هنري كوريل الذي كان عضواً بارزاً في الحزب الاشتراكي المصري وعميلا للاستخبارات السوفييتية ال KGB وعندما عاد إلى أمستردام كان اشتراكياً مخلصاً.
كان بلاك عضواً نشطاً في المقاومة الهولندية المقاومة للنازية وهرب إلى لندن متنكرا في هيئة راهب حيث حاول البوليس السري النازي القبض عليه.
وفي انجلترا غير اسمه إلى جورج بلاك ومع مرور الوقت انضم للعمل في الاستخبارات البريطانية وبعض فترة وقع في حب سكرتيرة تعمل في الاستخبارات البريطانية ال MI6 تدعى أريس بيك وفيما بعد عمل في خدمة ملكة انجلترا وقررا الزواج، ولكن للأسف كانت أسرة الفتاة من الأسر البارزة التي لم توافق على زواج ابنتهم من جورج بلاك اليهودي، ولم تتمكن الفتاة من مقاومة موقف أسرتها الرافض وفي النهاية انتهت العلاقة وعندها شعر بلاك بالكثير من الغضب والإحباط وقرر أن ينتقم من انجلترا المتغطرسة التي رفضته وكان صلف أسرة حبيبته سبباً في تدمير عواطفه القوية التي حملها لفتاته التي لم يحب غيرها في حياته.وعندها اتجه إلى هنري كوريل عمه ومؤتمن أسراره في أمستردام حيث تمكن من تجنيده للعمل كجاسوس لصالح الKGB .
بعد الحرب العالمية الثانية تم تجنيده أيضاً للعمل في ال MI6 البريطانية وكانت مهمته إنشاء شبكات تجسس في الجزء الشرقي من أوروبا المحتل وقتها من قبل الاتحاد السوفييتي. وأرسل للخدمة العسكرية في الحرب الكورية وكان في سيول عندما اجتاحتها كوريا الشمالية. وخلال سنواته الثلاث كأسير في معسكرات كوريا الشمالية، اعتنق الماركسية وقال البعض إنه تعرض إلى عملية غسيل دماغ وإن كان هو نفسه قد أصر على أن اعتناقه الماركسية كان طوعياً. عقب الإفراج عنه عام 1953 أرسلته الMI6 للعمل كجاسوس مزدوج إلى برلين حيث أصبح هناك فعلياً “جاسوس ثلاثي” وأفشى أسرار المئات من الجواسيس البريطانيين للسوفييت.
وفي عام 1959 فضح أمره الجاسوس البولندي المنشق مايكل جلونويسكي، وفي عام 1961 بعد محاكمة عرضت تفاصيلها على شاشات التلفزيون حكم عليه بالسجن 42 عاماً وقالت وقتها الصحف البريطانية إن حكمه السجن مقابل كل جاسوس بريطاني تسبب في قتله وخانه وكان أطول حكم تحكم به المحكمة البريطانية.
بعد خمس سنوات من سجنه تمكن جورج بلاك من الهرب من سجنه بمساعدة من ثلاثة من أعضاء لجنة المائة الذين كان قد قابلهم في مصر قبل سنين، وهرب بلاك إلى الاتحاد السوفييتي وطلق زوجته التي أنجب منها ثلاثة أبناء وبدأ حياة جديدة وفي عام 1990 نشر سيرته الذاتية بعنوان (لم يكن هناك خيار آخر) وهو الكتاب الذي نال عنه من ناشره البريطاني أكثر من 60 ألف جنيه إسترليني قبل أن تتدخل الحكومة البريطانية وتمنعه من التربح من مبيعات كتابه.
وفي مقابلة مع شبكة أخبار ال”إن. بي. سي” عام 1991 قال بلاك إنه ندم على موت الجواسيس البريطانيين الذين خانهم.
وحتى عام 2004 كان يعيش في موسكو ويتقاضي معاشاً من الKGB وظل ماركسيا لينينياً مخلصاً، وأنكر بلاك أنه كان خائناً وأصر على أنه لم يشعر أساساً بأنه مواطن بريطاني قائلاً: “حتى تخون يجب أولا أن تنتمي وأنا لم أنتم أبداً لبريطانيا)